سأحاوره، لكن...
لن أتخلَّى عن قناعاتي السَّابقة، مهما حدث!
أنا على حق!
والنتيجة: سوء تفاهم، عناد وتمسُّك بالرأي، تباعد وفرقة بين المتحاورين، وجدل عقيم، وأخيرا... لم يتحقَّق التواصل!
لكنَّك لو أفرغتَ كوبك لكانت النتيجة مختلفة!
إن المحاور مُطالب بالإنصات للطرف الآخر بغية إنجاح الحوار، بغض النظر إن كان موقف الآخر مُوافقا له أو يبعد عنه قليلا أو كثيرا.
هل سبق ووقفتَ عند قوله عز وجل وهو يأمر نبيّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول للمشركين: ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سبأ:24]؟
يا له من أسلوب في غاية اللطف والأدب!
يا لها من طريقة تحمِل المخاطَب على التفكُّر والتأمُّل، فلربما عاد للصواب وأناب ونظر لحاله ثم تدبَّر فتنبَّه!
ما من شكٍّ أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم أنه ومن اتَّبعه على هدى من الله، وأن من خالفه وخالف ما جاء به من ربِّه لفي ضلال مُبين، لكنه كلام يوحي بضرورة الإنصات، بروح موضوعية وبأسلوب فيه تعريض لا تصريح.
فما بال حواراتنا تنتهي قبل أن تبدأ؟ وتعلو فيها الأصوات وتتناحر بدلا من الإصغاء؟
إذن...؟!
لن تخسر شيئ...ولن يكون الأمر كذلك إلا إذا انطلقتَ من فرضية تساوي الطرفين المتحاورين في طرح وجهات النظر قبل أن يبدأ الحوار، فليس من المعقول أن تتبنى النتيجة قبل أن تسمعَ رأي الآخر وتُسمع رأيك!
والآن، هل تستطيع أن تُفرغ كوبك قبل أن تحاورني؟!
أليس الهدف من الحوار هو عرض أفكار الطرفين؟ فلمَ تعرض أفكاركَ ولا تعطي الآخر الفرصة ليعرض أفكاره؟!
أليس الحوار مع الآخر هو طريقة توصل بها أفكاركَ؟ فلمَ تقزِّم حقَّ الطرف المقابل في عرض رأيه هو الآخر أو في الردِّ عليكَ؟!
أليس الحوار هو تبادل الكلام بين شخصين -أو أكثر-؟ فلمَ تستأثرُ بالحديث ولا تعطي فرصة للآخر ليبسط أمامكَ رأيه؟!
والآن، هل تستطيع أن تُفرغ كوبك قبل أن تحاورني؟!
إن كان الردُّ بالنفي، فلا أخالكَ تريد إحقاق الحق وإثباته، بل أنت تتَّبع سياسة عرض العضلات أمام من تحاوره، أو تسعى لإثارة ضجَّة أو أن هدفك منذ البداية هو الانتصار لنفسك، فلتعلم أنَّك لن تزيد محاوركَ إلا عنادا وإصرارا على رأيه.
إذن: أحسِن الاستماع لمحاورك، ولا تتعصَّب لوجهة نظرك، ولا تتَّبع هواك، وكن طالب حق ناشدا له أنَّى كان.
والآن، هل تستطيع أن تُفرغ كوبك قبل أن تحاورني؟!
أتمنى ذلك!