الميدالية الأولمبية في حد ذاتها لا تمثل قيمة يعتد بها وإن كانت من الذهب الخالص لأنها في حسابات الدول والأمم لا تعد شيئا يذكر، ولكن قيمتها الحقيقية تتمثل في القيمة المعنوية لها المرتبطة بالزهو والاعتزاز الوطني عندما تحتفي الأمم بأبطالها ورياضييها الفائزين بهذه الميداليات.
هذا الزهو يأتي من خلال اعتبار أن الرياضي ممثلا حقيقيا لبلده ومعبرا عن اهتمام هذا البلد بالإنسان كقيمة حضارية عليا، ومعبرا أيضا عن مقدار التطور الذي وصلته أمة من الأمم.
ولذلك نرى التنافس الشديد بين الدول في الحصول على أكبر قدر من الميداليات والتربع على القمة، وما حدث خلال فترة الحرب الباردة في القرن العشرين من تنافس كبير بين الولايات المتحدة الأميركية التي تمثل المعسكر الغربي والاتحاد السوفييتي الذي يمثل المعسكر الشرقي خير دليل على أهمية هذه الميدالية في تحقيق هذا الاعتزاز الوطني.
وحاليا المنافسة باتت مشتعلة تماما بين الولايات المتحدة والصين العملاق القادم اقتصاديا وسياسيا فبعد أن تمكن الصينيون من التربع على العرش في أولمبياد بكين 2008 تراجعوا في أولمبياد لندن 2012 أمام المارد الأميركي.
الدول تصنع رياضييها الأولمبيين بالاهتمام بهم منذ النشء، وتصرف عليهم الكثير، وبريطانيا مثلا يكلفها البطل الأولمبي صاحب الميدالية الذهبية 10 ملايين جنيه إسترليني في حين أننا مازلنا في عالمنا العربي ننتظر النتائج المعلبة لأجل الميدالية بحد ذاتها.
البطل الأولمبي قيمته في الفخر والزهو الذي يجلبه إلى وطنه وإذا انتفت القيمة المعنوية فلا قيمة بعدها للميدالية، ولا يمكن قياس اختيار الرياضيين لدينا بالغرب ومن يقيسه فهو يخادع نفسه ويخدع الآخرين.
الولايات المتحدة الأميركية هي بالأساس مجتمع مهاجرين ومن يلعب بإسم هذا البلد هو يحمل كل قيمه وأفكاره، والدول الأوروبية التي استعمرت العالم تعتبر أبناء المستعمرات جزءا منها وهم ولدوا بالأساس على أراضيها وتشربوا قيمها، أما الأمم أصحاب الحضارات التاريخية الكبرى كالصينيين ودول شرق آسيا وكذلك المصريين والأوروبيين الشرقيين فإنهم لا يقبلون بأي حال من الأحوال أي رياضي لا يمثل هذه الحضارات بكل قيمها وأفكارها وأشكالها وتاريخها.
لدينا دائما الأمور مقلوبة فنترك الجوهر ونبحث عن الظاهر، فنحن لم ننتم إلى العولمة بإتباع أساليب مخترعيها، ولم ننتم إلى أمم الحضارات على رغم امتلاكنا حضارة ضاربة في عمق التاريخ من أيام جلجامش.