إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضله الله فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالي وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خط خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، وقال : هذا الإنسان ، وهذا أجله محيط به - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا .
فهذا يبين لنا أن المرء من يوم أن يولد الى يوم أن يموت وهو عرضة للمصائب والأنكاد قال تعالى - لقد خلقنا الإنسان في كبد - فإذا كانت الحياه كذلك فلابد من دواء
وقد تعددت الأدويه النبوية والقرآنية ومن أحسنها ما رواه ابن حبان وأحمد في مسنده من حديث عبدالله بن مسعود أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال :ما أصاب عبد قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك ابن عبدك, ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل إسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وأبدله مكانه فرحا قالوا أفلا نتعلمهن يا رسول الله قال بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن
حقا أي واجب وفريضة وهذا الذي سنقوم به في هذه الخطبة أن نبين المعاني التي اشتمل عليها هذا الحديث العظيم لأن الإيمان بالشيئ فرع عن تصوره 0 إذا لم يفهم المرء المعاني نقص إيمانه جدا وكلما علم معاني القرآن ومعاني السنة إزداد إيمانا ولذلك الفهم منحة من الله عز وجل
ما أصاب عبدا هم و لا حزن, ما من إنسان إلا أصيب أو ينتظر مصيبة كلنا هذا الرجل إما مصاب حقيقة أو هو ينتظر مصيبة لأن الله عز وجل قال (لقد خلقنا الإنسان في كبد ) وفي معاناة وفي مشقه, فالذي يتصور أنه من يوم أن يولد الى أن يموت لن يبتلى فقد ظن باطلا وقد ظن عجزا ومن دخل الحرب وهو يظن أنه لن يصاب فقد ظن عجزا فطالما أننا جميعا هذا الرجل فقد سن لنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاءا ندعوه يشتمل على التوحيد وعلى العبودية" أنا عبدك وابن عبدك وابن امتك أي أنا عريق في العبودية أنا عريق في النسب ضارب الجذور في العبودية أنا عبد وأبي عبد وأمي أمة وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكثر من ذكر هذا البيت في جلوسه وقيامه ومشيه وسفره وترحاله كان يقول أنا المكدي وابن المكدي كذلك كان أبي وجدي كلنا خدام للملك ومماليك أنا المكدي أي أعمل بالأجره وكذلك كان أبي وجدي أيضا خادمون للملك ناصيتي بيدك والناصيه هو الشعر الذي في مقدمة الرأس , الناصيه التي يتجه المرء بها إذا أخذ إنسان بناصية إنسان لا يستطيع أن يمشي يبقى الإنسان مسلوب الإرادة والإشارة الى الناصية التفكيرو هي الموجه فإذا أخذ بالقدم لا يستطيع المرء السير كما قال الله تبارك وتعالي (والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ) التفت الساق بالساق يعني رجل متعسر الخطو الى الله كالرجل الذي يمشي فالتفت ساقه فيسقط على الأرض فنحن نرى كل الموتى الساق بجانب الساق إنما معنى التفت الساق أن هذا الرجل متعسر الخطو الى الله 0 أنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك فلا يتصور أن يكون له إختيار مع الله 0 ما كان لهم الخيرة
فالإعتقاد بأن الله حكم عدل هذا يعينك على التوبة وأنك ترجع فتلزم نفسك لا أن تلقي باللوم على ربك 0عدل في قضاؤك أسالك بكل إسم هو لك إذن نزه الله عز وجل قبل أن يسأل اعترف بالعبودية والذل وخلع حوله وقوته وأثبت العجز الكامل لنفسه وأثبت أن الله حكيم لا يفعل الشيء إلا بحكمة وقبل أن يسأل قدم بالثناء على الله ثناء وشفاعة بكل اسم هو لك والأسماء والصفات أعظم الأبواب لزياده الإيمان .
المصدر : ابو اسحق الحويني
منقول