الأسباب التي ننال بها شفاعته صلى الله عليه و سلم:
إن من أعظم الأسباب التي ينجو بها المؤمن يوم القيامة – بعد رحمة أرحم الراحمين ؛ هو شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم.
يا أخـــي/أحتي:
ما ظنك إذا شفع فيك؛ أول شافع ( من يُأذن له بالشفاعة ) و أول مشفع (و َالْمُشَفَّع؛ بِفَتحِ الفاء الَّذِي تُقْبَل شَفَاعَته)
* عن أَبُي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ). رواه مسلم .
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ صاحب الشفاعة العظمى. حين تفزع إليه الناس جميعا يوم القيامة، بعد ذهابهم للأنبياء، فيقول كل نبي: نفسي نفسي، إلا هو فيقول: أنا لها، أنا لها.
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ الذي يقول الله له: يا محمد أرفع رأسك، قل يسمع لك ، سل تعطه، و اشفع تشفع .
- ما ظنك يا أخي إذا شفع لك ؛ من قال الله له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك " . رواه مسلم
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ الوحيد الذي لا تفتح أبواب الجنة إلا له.
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ الذي يقدمك على نفسه؛ فكل الناس حتى الأنبياء يقولون : نفسي، نفسي . وهو يقول: يا رب أمتي.
- ما ظنك إذا شفع فيك ؛ الذي خير بين الشفاعة و بين أن يدخل شطر الجنة من أمته، فاختار الشفاعة .
- ما ظنك إذا شفع فيك؛ من كانت له دعوة مستجابة ، فتركها و جعلها شفاعته لأمته يوم القيامة.
- ما ظنك إذا شفع فيك ؛ أعظم الناس قدرا، و جاها ، و مكانة عند الله.
***** فيـــا فــــوز و سعـــادة مـن ينــــــــال شفــــــــاعته ******
أخـــي/أختي :
قبل ذكر الأسباب التي بها ننال شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم ، فلابد من ذكر بعض التنبيــــــهات:-
1- هناك من يحرم شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كما سيذكر في موضعه ) .
2- لاشك أن المؤمن الذي آمن و صدق و عمل صالحا له نصيب من شفاعته ؛
و دليل ذلك ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة قال:
*قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ) رواه مسلم.
و لكن المؤمنين ليسوا على درجة واحدة، بل متفاوتون في نصيبهم من شفاعته.
فشتان بين من يشفع النبي صلى الله عليه و سلم له فيخرجه من النار بعد أن أحرقته، و من يشفع له فلا يدخلها أصلا، بل أين هذين ممن يدخل الجنة بلا حساب و لا عذاب بشفاعته ، بل و أين هؤلاء جميعا ممن يرفع درجتهم في الجنة . و الجنة مئة و عشرون درجة ما بين الدرجة و الدرجة كما بين السماء و الأرض .
نعــــم شتان بين من قال فيه : ( أسعد ) و من قال: ( حلت له شفاعتي ).
** قال الحافظ ابن حجر: (الفتح 2/416 ) ( .....أَنَّ لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاعَات أُخْرَى: كَإِدْخَالِ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب ، وَكَرَفْعِ الدَّرَجَات فَيُعْطَى كُلُّ أَحَدٍ مَا يُنَاسِبُهُ ).ا.هـ
3- هذا التفاوت هو بسبب ما يحصّله العبد من أسباب نيل شفاعته صلى الله عليه و سلم؛ خاصة السبب الأول.
فكلما زاد العبد تحقيقا لهذه الأسباب زاد نصيبه من شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم.
و إليكم هذه الأسباب:
* السبب الأول: الايمان بالله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ) رواه البخاري
قال الحافظ: ( فِي قَوْله " أَسْعَد " إِشَارَةً إِلَى اِخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ فِي السَّبَق إِلَى الدُّخُول بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبهمْ فِي الْإِخْلَاص، وَ لِذَلِكَ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ " مِنْ قَلْبه " مَعَ أَنَّ الْإِخْلَاص مَحَلُّهُ الْقَلْب، لَكِنَّ إِسْنَادَ الْفِعْلِ إِلَى الْجَارِحَة أَبْلَغُ فِي التَّأْكِيد
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَحْمَد وَ صَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْو هَذَا الْحَدِيث وَ فِيهِ " لَقَدْ ظَنَنْت أَنَّك أَوَّلُ مَنْ يَسْأَلُنِي عَنْ ذَلِكَ مِنْ أُمَّتِي، وَ شَفَاعَتِي: لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا؛ يُصَدِّقُ قَلْبُهُ لِسَانَهُ وَ لِسَانُهُ قَلْبَهُ ")ا.هـ
فعلى قدر إيمانك يكون نصيبك من شفاعته؛ فكلما زاد إيمانك؛ زاد نصيبك من شفاعته.
أخـــي/أختي:
إن أهل السنة مجمعون على أن الإيمان يزيد و ينقص. - فمتى تفقدت إيمانك ؟ هل زاد أم نقص !
و إن من فقه الرجل أن يتعاهد إيمانه؛ و ذلك بالنظر في طاعاته: هل يزداد فيها عددا و هيئة. هل تعمل بطاعات لم تكن تعمل بها من قبل؟
- هل زاد حســــــن عبــــادتك ؟
- هل تخليت عن ذنوب و معاصي كنت تعملها ؟
إننا اليوم نعيش مادية مقيت سيطرة على حياتنا إلا من رحم الله ، فترى الواحد منا يحرص على زيادة راتبه، و مسكنه، و ولده. أما إيمانه فلا يبالي به ؛ و الدليل:
أسئل نفسك : متى أخرى مرة تفقـــدت إيمــــــــــانك ؟ و الله لو ضاع منا ألف ريال لحزنا أياما و أسابيع، و ينقص إيماننا و لا نحزن عليه . أخـــي/أختي:
إن مما يضعف الإيمان، بل و ربما أذهبه تماما: ( الذنوب: و يدخل تحتها الكفر و الشرك و البدع و المعاصي)
فأما الكفر و الشرك : فانظر إلى بلاد المسلمين ستجد مظاهر من الشرك الأكبر: استغاثة بالأموات، دعاء لأصحاب القبور، طواف بها..الخ
و أما البدع : فبلاد المسلمين تعج بالمحدثات.
و أما المعاصي: فأصبحت سهلة لكل أحد.
انظر ماذا فتح من أبواب الشرور؛ قنوات تدعو للتشكك في العقيدة، دعوة إلى الرذيلة، شبكات سهلت الوقوع في ما حرم الله.
فتعاهد إيمانك يا من يريد زيادة نصيبه من شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم. بل كلما زاد إيمانك ؛ فكنت بعيد عن الذنوب كان لك نصيب في أعلى شفاعاته صلى الله عليه و سلم؛ وهو رفعة درجتك بالجنة.
**السبب الثاني: الترديد مع المـؤذن و سـؤال الوسيلة بعد الصلاة و السلام عليه:
* عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَة ِ) .رواه البخاري
إن الله قادر على أن يعطي الوسيلة للنبي صلى الله عليه و سلم بدون هذا السبب، فلماذا جعل الله حصول الوسيلة له مرتبطا بهذا الدعاء؟
فالجواب من وجهين :
1- ليُعلم الصادق في المحبة للنبي صلى الله عليه و سلم من المدعي لها؛ فإن المحب يحب لحبيبه أعلى المراتب، فالصادق في محبته للنبي صلى الله عليه و سلم لا يمكنه أن يترك هذا الذكر ولو لم يعط عليه شيء. فكيف وقد وعده بحصول الشفاعة !
2- المحب يجازي محبه ، فلما سأل له درجة الوسيلة جازاه بحصول الشفاعة له.
فإذا أردت شفاعته صلى الله عليه و سلم؛ فلابد من ثلاثة أمور:
1- القول مثل ما يقول المؤذن - حتى عند قوله الصلاة خير من النوم فتقول الصلاة خير من النوم، - إلا في قول المؤذن ( حي على الصلاة و حي على الفلاح ) فتقول: لا حول و لا قوة إلا بالله).
2- الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ؛ و المقصود بالصلاة : الصلاة الإبراهيمية ؛
* عن كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ:
سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. رواه البخاري
3- سؤال الوسيلة وهو أن تقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
و لابد من التنبيه على أمور:
1- الحذر من الزيادات: ومن ذلك :
أ- لفظة (سيدنا ) سواء في الشهادة أو الصلاة أو الدعاء له بالوسيلة. و الله لا نشك لحظة واحدة أنه سيدنا، بل سيد الأولين و الآخرين، و لكن ما هكذا علمنا صلى الله عليه و سلم . وهذه أدعيته و أذكاره التي علمها لأمته ليس فيها شيء من لفظ السيادة.
ب- لفظة ( الدرجة الرفيعة) أو ( يا أرحم الراحمين )فهذه الزيادات لا أصل لها.
ج-( إنك لا تخلف الميعاد)وردت عند البيهقي في السنن ؛ فقال: قوم بصحتها، و قال آخرون : بشذوذها، وهو الأقرب.
د – ( اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة ) وهي عند البيهقي وهي كذلك شاذة.
نبه على هذه الزيادات السابقة الذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى.
أخــي/أختي:
* إنه كلما زدت من هذا الذكر ؛ كلما زاد نصيبك من شفاعته. لقد كان الصالحون يتوقفون عن قراءة القران، و حلقات العلم إذا سمعوا المؤذن ؛ حتى يقولوا هذا الذكر. و قد حدثت عن دولة في افريقية؛ إذا سمع الناس الذين بالسيارات المؤذن يؤذن؛ أوقفوا سيارتهم بجوار المسجد ليرددوا خلفه حتى يفرغ ، لا يتجاوزون المسجد حتى ينتهي.
ما بالنا اليوم لو قال أحدهم في مجلس: إن هناك شركة ستطرح أسهمها، و الربح فيها مؤكد؛ و الله لرأينا القلوب مصغية، و الأذان منصتة.
أما الداعي للفلاح. الداعي لزيادة أسهمك في شفاعته صلى الله عليه و سلم فقليل من يردد معه. كيف بك إذا جئت يوم القيامة و رأيت النبي صلى الله عليه و سلم قد أذن له بالشفاعة؛ فشفع لفلان لأنه ( 50 ) سنة لم يفته هذا الذكر، و شفع لفلان لأنه ( 40 ) سنة كذلك، فتنظر لنفسك و إذا ليس لديك إلا ( 5 ) أو ( 6 ) سنوات. أي حسرة ستكون في قلبك عندما ترى ذلك المنظر. و الله لن يعوضك لو بكيت بدل الدمع دما. إنك سوف تقول: يا ليتني أُرد إلى الدنيا ؛ و الله لن أترك هذا الذكر أبدا
فها أنت في الدنيا ؛ فعاهد نفسك - يا طالب شفاعة النبي صلى الله عليه و سلم - أن لا تترك هذا الذكر أبدا. السبب الثالث: سكنى مدينة النبي صلى الله عليه و سلم و الصبر على ما فيها من الشدة حتى الموت، * عن أبي سعيد مولى المهري أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة و لأوائها، فقال له: ويحك لا أمرك بذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
)لا يصبر أحدا على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما).و في رواية لمسلم (جهدها)
** قال ابن عبد البر في التمهيد : ( قوله: على لأوائها و شدتها؛ يعني المدينة و الشدة ؛ الجوع ، و اللأواء ؛ تعذر المكسب و سوء الحال)
*** و قال النووي: (قال أهل اللغة اللاواء ( بالمد ) : الشدة والجوع ، و أما ( الجهد: فهو المشقة و هو بفتح الجيم و في لغة قليلة بضمها، وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور و حكي فتحها ).
و قد وقع خلاف بين العلماء في سكنى المدينة :
- قال الإمام النووي : ( قال العلماء وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب مع ما سبق وما بعدها دلالات ظاهرة على فضل سكنى المدينة ، والصبر على شدائدها وضيق العيش فيها، وأن هذا الفضل باق مستمر إلى يوم القيامة . - ، وقد اختلف العلماء في المجاورة بمكة و المدينة فقال أبو حنيفة و طائفة : تكره المجاورة بمكة، ، و قال احمد بن حنبل و طائفة : لا تكره المجاورة بمكة بل تستحب. ، و إنما كرهها من كرهها لأمور: منها خوف الملل و قلة الحرمة للأنس و خوف ملابسة الذنوب ، فإن الذنب فيها أقبح منه في غيرها كما أن الحسنة فيها أعظم منها في غيرها. ، واحتج من استحبها بما يحصل فيها من الطاعات التي لا تحصل بغيرها وتضعيف الصلوات والحسنات وغير ذلك . ، والمختار أن المجاورة بهما جميعا مستحبة إلا أن يغلب على ظنه الوقوع في المحذورات المذكورة و غيرها وقد جاورتهما خلائق لا يحصون من سلف الأمة و خلفها ممن يقتدى به و ينبغي للمجاور الاحتراز من المحذورات وأسبابها. والله أعلم) ا.هـ وهو كلام نفيس في غاية التحرير.
- و يمكن أن يقال كذلك إذا ترتب على سكنى المدينة تفويت واجب كبر الوالدين ، أو كانت هناك مصلحة أعظم من السكنى: كالجهاد في سبيل الله و تعليم العلم..الخ. و قد خرج كثير من الصحابة منها و ماتوا بغيرها لهذا الأمر.
****السبب الرابع: كثرة الصلاة: * عن خادم للنبي صلى الله عليه وسلم رجل أو امرأة : قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يقول للخادم: ألك حاجة قال حتى كان ذات يوم فقال: يا رسول الله حاجتي؟ قال: وما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: ومن دلك على هذا. قال: ربي. قال: أما لا فأعني بكثرة السجود). رواه الإمام في المسند، قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح.
** و عن ربيعة بن كعب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلني أعطك. قلت: يا رسول الله أنظرني أنظر في أمري . قال: فانظر في أمرك. قال: فنظرت، فقلت: إن أمر الدنيا ينقطع فلا أرى شيئا خيرا من شيء آخذه لنفسي لآخرتي، فدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: ما حاجتك؟ فقلت: يا رسول الله؛ اشفع لي إلى ربك عز وجل فليعتقني من النار. فقال: من أمرك بهذا؟ فقلت: لا والله يا رسول الله ما أمرني به أحد، ولكني نظرت في آمري فرأيت أن الدنيا زائلة من أهلها، فأحببت أن آخذ لآخرتي. قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود. رواه الإمام في المسند، وقال شعيب الأرنؤوط : حديث حسن بهذا السياق دون قوله : " فأعني على نفسك بكثرة السجود " فصحيح لغيره) و حسنه الألباني في الارواء2/208
- و أصل الحديث في مسلم و لكن في طلب المرافقة ؛ و يمكن الجمع: أن المرافقة تتضمن العتق من النار و النجاة منها؛ وهي من أنواع شفاعاته صلى الله عليه و سلم .
أخـــي/أختي:
أعلم أنه ليس المقصود بكثرة السجود؛ كثرة الركعات بدون تدبر و خشوع. فالكثرة ليست مطلوبة لذاتها؛ إنما هي مطلوبة بعد الخشوع. فوالله لركعتين بخشوع أفضل عند الله من مئات الركعات بدونه . فالمطلوب الكثرة مع الخشوع .
أخـــي/اختي:
إنك إذا أكثرت من الصلاة بخشوع ؛ أصبحت الصلاة قرة عين لك ، فعندها يشفع لك من كانت الصلاة قرة عين له صلى الله عليه و سلم. نعم كانت الصلاة قرة عين له ؛ و ليس بعد هذا الوصف وصف.
أخـــي/اختي:
إن الصلاة أحب الأعمال إلى الله: * عن معدان بن طلحة اليعمري قال : ( لقيت ثوبان مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال: قلت: بأحب الأعمال إلى الله. فسكت. ثم سألته. فسكت. ثم سألته الثالثة. فقال: سألت عنه ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة. قال معدان: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته، فقال لي مثل ما قال لي ثوبان . رواه مسلم.
و للصلاة من الفضائل ما لا يحصيه إلا الله.
فيا طالب شفاعة من جعلت الصلاة قرة عين له صلى الله عليه و سلم ؛ اجعل الصلاة قرة لك ؛ تظفــــر بشفاعته .
أخـــي/أختي:
إن المثيل يجاور مثيله. فكلما زادت صلاتك؛ كلما زاد نصيبك في شفاعته.
***** السبب الخامس:
كثرة الصلاة و السلام عليه خاصة: عشرة بالصباح و عشرة بالمساء: وهذا السبب مختلف فيه بين أهل العلم وذلك لورود حديث في صحته خلاف بين أهل الحديث: * عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ( من صلى على حين يصبح عشرا و حين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة ). رواه الطبراني
- وقد حسنه السيوطي و الشيخ الألباني في صحيح الجامع ثم عاد فضعفه في الترغيب و الترهيب للمنذري، و قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ( وفيه انقطاع ) و قد ذكره ابن القيم في جلاء الأفهام و سكت عنه.