لمن الأولوية في تربية الأطفال الأب أو الأم؟

لا يختلف اثنان على أن مسؤولية تربية الأطفال جسيمة للغاية فبالإضافة إلى الجهد والطاقة والتركيز يبقى الصبر والتأني عنصرين أساسيين في تشكيل وعي تكوين شخصية الطفل ودور الأبوين حاسم خاصة في المراحل الأولى لكن كيف يجب أن يتعامل الأبوان مع طفلهما ليكتسب شخصية سوية قادرة على مواجهة الحياة بمختلف إكراهاتها ؟ ومتى يكون الين ومتى يجب فرض الشدة؟ وهل يجب أن يربي كل واحد من الأبوين طفله حسب هواه وقناعاته وتربيته هو أم يجب أن يتفق الاثنان على نهج سبيل واحد؟ وماذا يقول علم النفس بهذا الخصوص؟ هذا ما سنعرفه من خلال الروبورتاج التالي:
الأب عماد الأسرة
يحمل الطفل غالبا عن والده بأنه الأقوى والأعلم والأقدر في محيط الأسرة وهو الذي يصدر الأوامر والنواهي ويواجه مختلف الأحداث فالطفل عادة ما يحتاجه من والديه حتى يقوما بتوفيره لكنه يلجأ إلى أبيه ويعتبر مدينا له في توفير أمنه بما أنه شاهد عدة مرات كيف أن جميع أفراد الأسرة يلجأون إلى الأب في الحالات الصعبة والظروف الحساسة ولا يعتقد عمليا بوجود من هو أكثر كفاءة أو قدرة منه غير أن هذا الأخير قد يواجه بشكل خاص مشكلة في الحفاظ على دوره كمسؤول عن العائلة وبين التنازل وقبول أسلوب الأم في التربية كونها تقضي أطول فترة مع أبنائها مقارنة معه وهذا ما يحتاج إلى وقفة جادة من الطرفين كي لا يتعرض الطفل إلى ازدواجية في التعامل وتشويش في المفاهيم التربوية لذا فإن الانسجام والاتفاق على أسلوب التربية بعد من الأمور الحساسة في حياة كل أب و أم وهذا ما تؤكده نادية وهي أم لثلاث أطفال الأبوة مهمة جدا كما الأمومة ودور الأب أن يساند تنشئة الطفل العاطفية السليمة إذ أن إظهار العواطف والمودة والرعاية الجسدية للطفل لا يقتصر على الأم لوحدها بل يجب على الأب كذالك الاهتمام بطفله منذ نعومة أظافره ومشاركة الأم في كل صغيرة وكبيرة تخص فلذة كبده
تدخل المحيط في التربية
بخلاف الأسرة النووية تعيش الأسرة الكبيرة في جو عائلي يضم الأجداد والأعمام والعمات وهذا يؤثر بشكل كبير في نشأة الطفل وتكوين شخصيته إذ بتدخل الجد أو الجدة أو أحد الأقارب في تربيته تقول خديجة ربة بيت وأم لأربعة أطفال نشأة الطفل وسط أسرة كبيرة من شأنها أن تخلق تشويشا عند الصغير لأن الأجداد سيعطون تجاربهم وخبراتهم السابقة التي قد لا تناسب هذا العصر ما سيؤدي إلى تشتت الأبناء وأحيانا إلى الدلال الزائد في تصرفاتهم لذا من المهم أن ينتبه الأبوان لهذه النقطة وأن يستفيدا ممن يكبرونها سنا في الأشياء الصحيحة كأن يربي الجد حفيده على الكرم وعلى حب مساعدة الآخرين وما نحو ذالك من الأخلاق والشيم التي لا تبلى
مربي من عند ربي
مربي من عند ربي مقولة تتردد على ألسنة نساء ورجال أرجعوا الفضل في تربية الأبناء إلى الفطرة الإلهية التي يجبل عليها الطفل منذ نعومة أظافره يقول عبد الرحيم أب لطفلين لا أنكر أن للوالدين دورا مهما في تنشئة الطفل إذ يملكان القدرة والتقنيات التي تعينهما على خط المسار الذي يرضيانه لابنهما أو ابنتهما لكنني أؤكد بشدة أن القدرة الإلهية أكبر من أي شيء فكم صادفت من زوجين صالحين وابنهما عاق أو مجرم وأتساءل دوما كيف يعقل أن يكون هذا الشخص ابن فلان أو فلانة لذا أجد أن مصير الطفل لا يتحكم فيه الأبوان بل قضاء الله وقدره
في السياق ذاته تؤكد ياسمين أم لطفل واحد أن البركة السماوية تصيب من تشاء وتخطئ من تريد ابن جارتي آية من الجمال وقمة من الأخلاق والأدب كما أنه من أمهر وأذكى الأطفال في الحي كله ناهيك عن اجتهاده وجديته في الصف والأصداء الحسنة التي تصلنا يوميا عنه والعجيب في الأمر أن والديه مختلفان كليا عنه فمعروف عنهما سوء معاملتهما للجيران وأذاهما الذي يمس كل من تعامل معهما من قريب أو بعيد فهذا الطفل مثال حي يقال عنه مربي من عند ربي
الأطفال بين الشد والجذب
إن أسلوب الوالدين في تنشئة الطفل أمر أساسي للحفاظ على الاتصال الصحيح بين الزوجين دون الدخول في النزاعات كما أنه مهم للطفل كي يبدأ باكتساب العادات السليمة والقيم والمبادئ التي سترافقه طوال حياته يقول منير أب لطفلين في هذا الصدد لا أتفق مع الوالدين يحاول كل واحد منهما أن يذب ابنه أو ابنته لصالحه ويقف في صفه فالمهم هو إحساس الطفل أن أبويه يحبانه ويهتمان به وأنه أول انشغالاتهما فعلى الأم أن تنصت لطفلها وتهتم لمشاكله كما على الأب أن يخصص وقتا للحديث مع ابنه حتى يشعره بأهميته وأنه ليس طفلا صغيرا
وتوضح سميرة في السياق نفسه وهي ربة بين ما يجب أن يتفق عليه الوالدان هو عدم إباحة أمر منعه أحدهما فمثلا إذا منعت الأم طفلها من الخروج للعب في الشارع على الأب أن يزكي قول الأم ويقنع الابن بجدواه وألا يضرب قرارها بعرض الحائط محاولا الانتصار لابنه بالسماح له بالخروج للعب خارج المنزل فكم من طفل يشتكي لوالده قسوة معاملة أمه فيقابله باللين واللطف مدعيا أن الأم لا تفهم ولا ينبغي الاهتمام لما تقول وأن الكلمة الأخيرة له ما يجعل الطفل يتمادى في تصرفاته الصبيانية مستندا بوالده الذي يقف في صفه في كل مرة ليؤازره ويحقق أمانيه ورغباته ويمجد قراراته والعكس صحيح إذ يمكن أن تكون الأم في صف الطفل ضد الوالد وهذا خطأ كبير يقع فيه الكثير من الآباء
الخلط بين التربية والإنجاز
النزاع في تربية الأبناء يطلق عليه الدكتور مامون الدريبي منافسة الكسالى والبلداء فالكسول الذي لا يملك إنجاز خاصا به يتنافس ليحققه في ابنه فتخلط لديه التربية بالإنجاز وهذا مشكل عويص في نظره يقول الدريبي بما أن التربية هي أن تعلم ابنك الأدب والنظافة واحترم الآخر وتحمل المسؤولية والإنصات والصمت في مواضعه وأن تكون خير قدوة بامتثالك لما تعلمه له فلا يعقل أن تنهي عن فعل وتأتي مثله أما الإنجاز فهو رعاية ومرافقة الأبناء والاحترام حقهم في اختيار مسارهم الدراسي أو المهني أو غيره وأشدد على الرعاية لأسوق مثل الراعي الذي يرعى غنمه فهل يسبق الراعي غنمه؟ أو يجرها من ورائه لتتبعه؟ بالطبع لا فهو يتركها على سجيتها ترعى الكلأ ويتبعها مراقبا إياها وحاميها من المخاطر التي تتهددها من كلاب ضالة أو ذئاب أو شاحنات وتاركا مسافة بينه وبينها حتى تبقى على راحتها وهنا يتحقق المعنى الحقيق لكلكم راع وكلكم مسؤول عن راعيته
الأطفال ليسوا ممتلكات أطفالكم ليسوا أطفالكم إنهم أطفال الحياة
مشكل النزاع في التربية بين الأب والأم ليس مشكلا ثقافيا أو فكريا حسب الدكتور مامون مبارك الدريبي بل هو مشكل بدائي فمن يفتقر للممتلكات يصبح ابنه أغلى ما يملك وهذا خطأ لأن الأطفال ليسوا ممتلكات يقول الدكتور ذكر جبران في كتابه النبي أطفالكم ليسوا أطفالكم إنهم أطفال الحياة وذالك لاستمراريتها فعلينا كآباء أن نتقرب من أبنائنا ونتعرف على خاصيتهم فمن لديه ميول فنية أو أدبية نأخذ وبيده ونعينه على تفجير موهبته وتحقيق مل يحلم به وأقول للأب الحر تخلف وراء زوجتك بخطوة لتتخلف هي بدورها عن أطفالكما بخطوة فهي إمامهم ومنها تستقي المحبة والصبر هي من تقترح وتختار وأنت صاحب الكلمة الأخيرة ورهن إشارتهم إذ تقرر وتنفذ وتحسم في القضايا التي تهم أبنائك غير أن فترة المراهقة تتطلب منك جهدا أكبر واهتماما مضاعفا
للأم الأسبقية في تربية الطفل من الناحية الطبيعية
يؤكد الدكتور مامون مبارك الدريبي أن التربية مراحل أولها مرحلة الرضيع والطفولة الصغرى ثم الطفولة الكبرى وأخيرا مرحلة المراهقة ومرحلة الرضيع أو فترة الجنين التي تسبقها لصيقة بالأم فعالم الجنين والرضيع يعطي للأم طبيعيا الأسبقية ليجد الأب نفسه في مرتبة ثانية بعدها لكن ثقافيا الذكورية السائدة في المجتمعات العربية للأب الأحقية للهيمنة والإمساك بزمام الأمور جميعها دون أي مبرر وهذا هو السبب في العديد من الكبوات التي يعشها المجتمع العربي والواقع أنهلا فرق بين الذكر والأنثى في العقل والذكاء اللهم البنية الجسمانية والتركيبية العاطفية التي تميزهما عن بعض بسبب قانون الهرمونات وقد ورد في القرآن قوله تعالى ليس الذكر كالأنثى ولم يقل ليس الرجل كالمرآة ومصطلحات القرآن دقيقة جدا ويقصد أن البنية الذكورية لا تشبه البنية الأنثوية وأي ثقافة جاءت لتؤكد أن المرأة أقل ذكاء وأقل مستوى نقول لها من ربى الرجل؟ كما أن التأويل الذكوري لحديث الرسول المرأة ناقصة دين وعقل خاطئ لأن نقصان الدين كمي بسبب فترة الحيض الذي يعفي المرأة من الصلاة والصيام كما أن العقل لا يعني الذكاء بل يفيد القدرة على التذكر وحفظ المعلومات وهو ما يقل عند المرأة في فترة الحيض بسبب نقصان مادة الحديد في دمها لذا أقول للآباء تمهلوا ودعوا أولادكم يتغلغلون في أماتهم لأن دور المرأة حاسم في حياة وتكوين الطفل لأن الجنين يتوسد كبد والدته ونصفه الثاني على طحالها ولا تسمع أذنه إلا دقات قلبها فبحكم هذه العلاقة الحميمية الطبيعية تملك الأم الأحقية لاحتضان ورعاية طفلها ولا يبدأ دور الأب إلا عند بداية مرحلة الطفولة الصغرى أي في سن ثلاث سنوات ونصف السنة إذ يدخل الوالد في علاقة مع ابنه ليس بالهيمنة والضغط والتخويف وإعطائه الأوامر وإنما استدراجه بالمحبة لأن الأطفال الصغار يحبون ثلاث حاجات هي اللعب والأكل والنوم فإذا أراد شخص استدراج طفل فيلعب معه ألعابه المفضلة وليشاركه الطعام ولينم برفقته هذه الأمور البسيطة تضمن تعرف الطفل على والده والتقرب منه