لصحة تاج على رؤوس الأصحاء ، هذه عبارة مأثورة ، أغلب الظن قائلها رجل مريض ، فالأصحاء نادرا ما يعيرونها اهتماما .. ولماذا يهتمون لشيء هم يملكونه أصلا ؟! .. أحد هؤلاء الأصحاء ، وهو شاب عاطل عن العمل ، علق مرة على هذه العبارة قائلا : "ما فائدة هذا التاج الوهمي ؟ .. أنا أريد ذهبا حقيقيا . أعطني بيتا وسيارة وخذ التاج مني " .. فنظر أليه أحد المرضى الأغنياء بحسرة وقال : "أنا على استعداد لأن أبذل كل ما املك في سبيل ذاك التاج .. وأنت تبدله بسيارة !".
وروي قديما بأن ملكا ذو شأن وسلطان أصابه مرض أعجزه عن البول ، فراح يهرول إلى الحمام جيئة وذهابا وهو يعاني آلاما مبرحة ، حتى أصابه اليأس وأقعده الإعياء فطفق يبكي ويتوسل قائلا : " يا وزراء يا جيش يا رعية .. أنجدوني ، أريد أن أبول! .. سأعطي مملكتي كلها مقابل أن أبول". وقد وصلت مقولته هذه لاحقا إلى أسماع أحد الحكماء فعلق عليها ساخرا : "قبح الله مُلكا قيمته بولة"!.
نعم عزيزي القارئ .. عند المرض ، حتى أعظم الأشياء وأحسنها تفقد بريقها ورونقها ، فالإنسان المريض قد يبذل كل ما يملك لقاء صحته ، أما الصحيح المتعافي فغافل عما هو فيه من نعمة ، تراه غير قانع بنصيبه ، يطلب من ربه ألف حاجة .. مال .. ملابس .. عملية تجميل للأنف! .. كل ما يخطر على بال . في حين لا يسأل المريض سوى أمر واحد ... كل ليلة ، بعد أن تنام عنه العيون ويرهقه طول سهاده ورقاده ، يمد للسماء راحتيه ، تغتسل بالدموع وجنتيه ، ترتعش بالرجاء شفتيه ، يضج إلى خالقه باكيا متضرعا : " ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ..".
ويا له من منظر مؤثر وحزين .. منظر أولئك المادون أكفهم للسماء ، الضاجون بالدعاء .
لكن ألم يكن هؤلاء أنفسهم يوما أصحاء ؟ .. ألم يكن فيهم من هو ظالم وجبار ومتكبر .. أنظر كيف أصبحوا .. أنظر إلى ذلك الوالد القاسي كيف أصبح حملا وديعا يتملق أبناءه بعد أن هدّه المرض . وذلك الغني المتكبر الذي كانت قدمه تكاد لا تطأ الأرض لشدة غروره وخيلاءه .. أنظر إليه كيف أصبح يستجدي دعاء الفقراء ! .. وتلك الغادة الهيفاء التي أدمنت تحطيم القلوب .. غدت وحيدة بعد أن زال جمالها وزال معه حشد المعجبين والعاشقين ..
اللهم لا شماتة في مرض .. لكن اختلاف أحوال الناس عند العافية والسقم هو أمر يوجب التأمل ، وفيه عظة وعبرة لكل معتبر . قبل أيام ذهبت لعيادة قريب لي اعتراه داء خبيث في رأسه ، ولم أكن قد رأيته منذ فترة ، وكان عهدي به شابا قوي البنيان حسن البيان . وقد علمت بأنهم أجروا له عدة عمليات جراحية وعالجوه بالكيماوي ، فرأيته وقد نحل جسده ، وثقل لسانه ، وأحول بصره ، وتساقط شعره ، وخف عقله . أكلمه فيكتفي بهز شفتيه وقد زاغت عيناه ، كأنه عاجز عن الإدراك وغائب عن المنطق ، فشق علي حاله والله ، وتأثرت بمحنته أيما تأثر ، وانعكس كل ذلك على نفسي ، فارتأيت أن أكتب مقالا عن غرائب الأمراض ، أنبه فيه الأصحاء الغافلون لما هم فيه من نعمة ، وأسلي عن المرضى بعرض مصائب الآخرين ، لعل من يرى مصائب الناس تهون عليه بلواه .
أليس في بلاد العجائب
|
كل شيء يصبح صغير او كبير فجأة ..
|
قد تتعجب لهذا العنوان عزيزي القارئ ! .. فما علاقة أليس ومغامراتها الشيقة بعالم الأمراض ؟ .. لكن صدق أو لا تصدق .. هناك فعلا مرض أسمه متلازمة أليس في بلاد العجائب (Alice in Wonderland syndrome ) ، وسبب هذه التسمية الغريبة تعود للهلوسة الحسية التي ترافق هذا المرض ، فبرغم أن جهاز البصر لدى المريض يكون سليم تماما ، إلا أن رؤيته للأشياء تكون غير سوية .. فيرى القطة بحجم سيارة .. والسيارة بحجم القطة ! .. ويصبح رأس صديقه بحجم الليمونة والنخلة بارتفاع ناطحة السحاب . وقد تحدث لدى المصاب مشاكل في تحديد المسافات ، فيرى القريب بعيدا والبعيد قريبا. وقد يعجز عن تمييز الألوان ، ويختل إدراكه للوقت ، فيتخيل أنه يركض رغم أنه يسير ببطء ، أو أنه مسمر في مكانه وعاجز عن الحركة . وفي بعض الحالات قد يترافق اختلال البصر مع اختلال حاستي اللمس والسمع ، فتبدو الأصوات القريبة وكأنها تأتي من مكان بعيد.
الإصابة بالمرض تحدث غالبا لدى المراهقين دون سن العشرين ، ونادرا ما تستمر حتى الثلاثين . والإصابة مرتبطة بالآفات الدماغية ، فهي تحدث لدى مرضى الشقيقة والسرطان والإصابات الفيروسية الدماغية ، وتحدث أيضا عند الإفراط في تعاطي المخدرات والكحول والحبوب المهدئة . وقد تتكرر نوبة المرض عدة مرات باليوم ، وتستغرق فترة لتهدأ . وهي في الحقيقة غير مؤذية ولا يتطلب علاجها سوى الراحة ، لكن أثارها تكون وخيمة على نفسية المريض لما تسببه من رعب وقلق .
أحد المراهقين المصابين بهذه المتلازمة يصف ما يعتريه كالآتي : " فجأة تبدو الأشياء صغيرة وبعيدة أو كبيرة وقريبة . وأحس كأني أصبحت أقصر قامة ، وبأن حجمي قد تقلص ، وأرى الأشخاص الآخرين وكأنهم أصبحوا أقزام لا يتجاوز طول أحدهم طول أصبعي السبابة . أحيانا أرى ستارة على الشباك المفتوح ، أو أرى التلفزيون وقد أنقلب رأسا على عقب ، أو أرى يدي وأقدامي وكأنها تتأرجح . وقد تصبح أصوات الناس قريبة وعالية جدا أو خافتة وبعيدة جدا" .
الحساسية من الماء
هل تصدق عزيزي القارئ بأن هناك أناس لديهم حساسية من الماء ؟! .. تماسهم مع أي نوع من المياه تكون له عواقب وخيمة ، حتى دموعهم تكون مؤذية !. إنها حالة فريدة تدعى اكواجنيك اورتيكاريا (Aquagenic urticaria ) وهي نوع من أنواع الشرى الجلدي الذي يسببه تحسس الجسم لمادة معينة ، ويظهر على شكل بقع حمراء مصحوبة بحكة وألم , وقد يدوم لعدة ساعات أو أيام ، ويسمى مزمنا إذا دام لأكثر من ستة أسابيع . حتى دموع المصاب وعرقه تؤدي لظهور الأعراض ، ولهذا يحاول المصابين البقاء دائما في أماكن باردة وعدم التعرق قدر الإمكان . أما البكاء فتكون آثاره أشد وطأة من العرق ، فالألم والحرقة التي تسببها الدموع للأجفان تؤدي لانخراط المصاب في دورة مستمرة من النحيب . والأدهى من ذلك هو أن أعراض المرض لا تقتصر على الجلد فقط ، فأحيانا حتى شرب الماء تكون آثاره مؤلمة ووخيمة ، فيتسبب بتورم الحلق وضيق النفس لفترة تتراوح ما بين عشرة دقائق وساعتين.
الجانب الأسوأ لهذا المرض هو ما يتعلق بالنظافة الشخصية , فالإنسان بحاجة لتنظيف جسده باستمرار ، والماء طبعا هو الوسيلة المثلى لفعل ذلك ، ولهذا فأن الاستحمام يكون بمثابة كابوس رهيب للمصابين ، فهم لا يستطيعون الاغتسال وقوفا تحت الدوش أو الاستلقاء في مغطس الحمام كبقية الناس ، لما في ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة إليهم ، ولهذا يلجئون لتنظيف أجسادهم بواسطة اسفنجة يبللونها بالقليل من الماء ويمررونها ببطء وحذر على أجزاء الجسم المختلفة ، وهي عملية طويلة ومؤلمة ومزعجة ، وبسببها قد يعزف المصاب عن الاغتسال لفترة طويلة ، الأمر الذي يسبب له كآبة حادة ، وقد يؤدي إلى انطواءه على نفسه وعدم مخالطة الآخرين ، خوفا من اتهامه بالقذارة وعدم الاعتناء بنظافته الشخصية ، فأغلب الناس لن يصدقوا بوجود مرض أسمه حساسية الماء .
أخيرا فأن شرى الماء نادر جدا ، لا يتعدى عدد المصابين أربعين شخصا حول العالم ، وللأسف لا يوجد علاج مجدي للمرض . العلاج الأنجع يكون بالوقاية ، أي الابتعاد قدر الإمكان عن الماء وتجنب التعرق والبكاء .
الشيخوخة المبكرة
داء نادر وغريب يعرف علميا بأسم متلازمة بروجيريا (Progeria Syndrome ) أي الشيخوخة قبل الأوان . وليس في العالم سوى خمسون ونيف حالة موثقة ، فالمرض من الندرة بحيث لا يتعدى احتمال ظهوره على حالة الواحدة بين كل ثمانية ملايين ولادة .
المصابين بهذا المرض يولدون طبيعيين ، لا تبدو عليهم أعراض المرض إلا بعد عدة أشهر ، وتكون أول الأعراض عبارة عن بطء النمو ، وذبول الجلد . ثم تتطور الأعراض باطراد ، فيتساقط الشعر وتتصلب المفاصل ، وتصبح ملامح الوجه مميزة بذقن صغير وانف مقروص . وكلما تقدم الطفل المسكين بالعمر كلما أصبح أكثر شبها بالعجائز وكلما ازدادت قسوة المرض عليه ، فيتجعد جلده ، ويضعف بصره ، ويصلع رأسه ، ويصاب بأمراض وآفات لا تصيب في العادة سوى كبار السن ، كالفشل الكلوي ، وتصلب الشرايين. وغالبا ما يموت الطفل بالسكتة القلبية في سن مبكرة ، حيث لا يتعدى معدل أعمار أطفال البروجيريا الثلاثة عشر عاما ، وفي أحسن الحالات قد يمتد بهم العمر حتى العشرينات .
المرض يؤثر على شكل وملامح الطفل بيد أنه لا يؤثر على قدراته العقلية . وهو ليس من الأمراض الوراثية ، أي أن الطفرة التي تسببه ( الخلل الجيني ) لا يحتمل تكررها لدى أقرباء المريض . وللأسف لا يوجد حتى الآن علاج ناجع لهذا الداء بالرغم من الجهود التي تبذل في سبيل التوصل إلى عقار شافي ، أو على الأقل عقار بإمكانه كبح سرعة المرض .د
لرجل الشجرة
في سنة 2007 ، عقدت الدهشة ألسن ملايين الناس حول العالم لدى رؤيتهم صور ديدي كوسوارا ، فهذا الرجل الاندونيسي تحول فعلا إلى شجرة! . نمت فوق جسده ، خصوصا فوق يديه وقدميه ، زوائد جلدية تشبه لحاء الأشجار . وظهرت حينها إشاعة تزعم بأنه رجل آثم سخطه الله إلى شجرة !.